لم تقتصر الدعوة إلى الله تعالى على الكلمة، ولا على المسجد، لأن أول مسجد أسس على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان بعد الهجرة، كما أنه سبق الدعوة باللسان الدعوة بالعمل الصالح من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل نزول الوحى، يدل على ذلك قول السيدة خديجة - رضي الله عنها - له: " والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق ". لهذا الكلام مدلول عظيم يجب أن يكون شعارًا لمن يتصدى للدعوة إلى الله من أفراد ومؤسسات وهو أن العمل سبق القول، ومن منطلق الدعوة إلى العمل الصالح كانت البداية بمشروع كفالة الطفل اليتيم ، حيث أُمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإحسان إليه فى بداية الدعوة قال تعالى: ( فأما اليتيم فلا تقهر) وحث النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمة على كفالته حيث روى عن سهل بن سعد - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفَرّج بينهما " أخرجه البخاري . معنى الكفالة: لا تتحقق الكفالة بالرعاية المادية فقط، فلابد من توفير التربية الدينية مع الرعاية المادية، وهذا المعنى هو المستفاد من مادة (كفل) حيث فسر كافل اليتيم بالقائم بأموره، والقائم بأمور اليتيم لا يقتصر قيامه على الرعاية المادية. لذلك قال صاحب كتاب (دليل الفالحين) (وكافل اليتيم: القائم بأموره دينا ودنيا، وذلك بالنفقة والكسوة والتربية والتأديب وغير ذلك). فالكفالة الحقيقية تتطلب الوعي الكامل بمتطلباتها ممن يقومون بها من أمهات الأيتام أولاً وجميع أقارب اليتيم ثانيًا، ثم معرفة الجمعيات والمؤسسات التى تهتم باليتيم بالواجبات عليهم تجاه اليتيم من الاهتمام بتعليمه، وتوعيته توعية دينية لأنها مسئوليتهم بعد أن مكنهم الله من القيام برعاية الآلاف ماديًا عن طريق أهل الفضل، فإن قصَّرت هذه المؤسسات فى ذلك فلا تتحقق الكفالة الواردة فى الحديث، لأنها العناية الشاملة لليتيم. ولذلك نرى أن ما تقوم به الجمعية الشرعية من رعاية لليتيم فى جوانب متفرقة هو من الكفالة الواجبة، وليس من باب المندوبات، فلقاء الجمعة مع الأطفال الأيتام، وتخصيص مكاتب تحفيظ القرآن الكريم لهم، وعطاءات بداية العام الدراسي من أدوات مدرسية وكساء وغير ذلك، هو جزء من الكفالة، والاهتمام بكل هذا واجب لكي يتحقق وصف الكفالة فيمن يقوم بها. وكذلك عطاءات شهر رمضان، والأضحى ليست بعطاءات مادية كما هو الظاهر فقط، وإنما هي عطاءات تربوية ودينية ومعنوية، وهى تعد من الكفالة، وكذلك الاهتمام بالمتفوقين فى الشهادات من اليتامى هو أكبر دليل على فهم المنهج الصحيح لمضمون الكفالة الواردة فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الغرض منه تفوق اليتامى، لا مجرد تعلمهم، وهذا لا ينبع إلا عن حب وإخلاص، وتقدير للمسئولية. وأهم شيء يقوم به الكفيل هو الإخلاص فى العمل لله رب العالمين، فهو النور الذي يسير فيه من رزقه والله الموفق .