الحمد لله والصلاة والسلام على رسل الله وعلى خاتمهم محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه. أما بعد..
فقد تنفس الشعب المصري هواء الحرية الذي سدت أمامه النوافذ منذ ستين عامًا، عاش خلالها مغمض العينين محدد الإقامة في غرف معتمة لا يسمح له أن يرى إلا ما يراه الحاكم.. ولا رأى له فيما يُقضى به عليه من ذوى السلطة القاهرة..
وحين سمحت له حركة التغيير الشبابية المباركة أن ينفتح على آفاق الحرية لم تستوعب قلة لا تمثل قيم المجتمع المصري الأصيل ضوابط تلك الحرية، فانطلقت تمارس الثأر من جلاديها بطريقة عشوائية فوضوية لا تمت بسبب إلى حضارة الإسلام الراقية..
1- فرأينا مظاهر التخريب في أقسام الشرطة وفى مرافق الدولة مع أنها ملك الشعب وليست ملك من يثأر منه.
--------------------------------------------------------------------------------
كما رأينا من يخرج متأبطا أدوات القمع من سيوف وخناجر وعصى يشيع بها الرعب والفزع بين أهله وإخوانه في الوطن، متصورا أن تلك الطريقة الهمجية هي التي ستحقق له مطلبه مستشهدا بأنه بثورته الأخيرة قد أسقط النظام والقانون وانفتح الطريق لاسترداد حقه المسلوب غير عابئ بما يجره هذا الانفلات من عواقب.
وهو في كل ذلك لا يرى إلا مصلحته الشخصية معتقدا أنه على الحق في كل ما يطلبه لنفسه، ولو كان غير ذلك في الحقيقة والواقع، إنه يهتبل الفرصة المواتية قبل أن تفلت من يده حين يسود النظام والقانون..
وقد أدى ذلك في كثير من المواقف أن تعطل سير العمل وضاعت هيبة الكبار في السن والعلم أمام أطماع الصغار.. وأصبح كل مسئول في أي موقع متهما بأنه متواطئ مع النظام السابق في سلب حقوق الشعب ولو كان ممن أضيروا واضطهدوا في هذا العهد، وليس هذا من العدل في شيء.
2- ترتب على هذا التصرف من تلك القلة المنفلتة أن فقد الشارع أمنه، وانضم إلى هذه القلة حسنة النية من تمرس بالإجرام واللصوصية، فساد القلق في صدر الآباء على أبنائهم وأصحاب البيوت على بيوتهم، وصار الموظف مشغولا عن عمله بالاطمئنان على بيته، وتعطلت مصالح الدولة ومصالح المواطنين، وأغلقت المصارف والمصانع والمدارس والجامعات مما له تأثير كبير في نهضة الأمة التي ما رفعت صوتها إلا من أجل الوصول إليها..
3- أسهم في إثارة القلق على مستقبل الحركة واحتمال اغتيالها من سدنة النظام السابق بطء التحقيقات مع القتلة واللصوص، مع وضوح مواقفهم لدى العامة والخاصة ومع توافر الأدلة الموثقة، ومع ما ينشر ويذاع في كل وسائل الإعلام من تهم صارخة وأرقام مفزعة وأرصدة خيالية في داخل مصر وخارجها بالأرقام والمستندات، ومن شأن ذلك أن يضاعف الإحساس بالظلم والاندفاع نحو الانتقام، والإعراض عن العمل الذي يكسب منه المواطن الشريف رزقه الحلال ترقبا لما سيناله من تلك الغنائم المنتظرة.
4- شيوع الهواجس حول إجهاض الثورة بتخطيط من كانوا عونا لهذا النظام حيث مازال سدنته بعيدين عن المساءلة القانونية، ومازالوا يخفون الأدلة التي تدينهم، حتى إذا جاء موعد التحقيق لم يجد القضاء بغيته، والأسماء التي تباشر هذا معروفة للجميع، ومنهم من استمر في التزييف والسلطة أكثر من أربعين عاما، وأصابع الاتهام تشير إليه أنه كان وراء معركة الجمال والخيول، ويغذى هذا الإحساس إشاعات عن أسرة رأس النظام وعلاقاتها ببعض المسئولين الحاليين، وتحوم الشبهات حول التهريب المستمر عن طريق المصرف العربي الدولي الذي لا إشراف عليه من قبل البنك المركزي المصري، خاصة أن المسئول عنه كان أحد رؤساء الوزارات المتهم بتبديد ثروة مصر وبيعها بأبخس الأثمان.
5- كثرة الحديث عن الدولة المدنية الحديثة التي تفصل الدين عن الحياة والتي أطلقها رأس النظام البائد أخيرا كما في دول الغرب، وهى مناقضة لمبادئ الإسلام وتشريعاته، ذلك أن سدنة التغريب في بلادنا يلوكون بألسنتهم في وسائل الإعلام التخوف من الدولة الدينية، ويخلطون الأوراق بين الديانة المسيحية والإسلامية بالرغم من أن الفارق جوهري، فالحكومات الإسلامية على مدى التاريخ لا علاقة لها بما درسه هؤلاء المستغربون عن الحق الإلهي والدولة الثيوقراطية، فالحكومة الإسلامية حكومة مدنية يختارها الشعب بكل حرية لتنفيذ أهدافه وطموحاته.
6- يؤكد هذا التخوف ما أذاعه سدنة اليسار والفتنة الطائفية من ضرورة حذف المادة الثانية من الدستور وهى الخاصة بهوية الدولة ودينها ومرجعيتها. ولأن مظاهر التدين قد بدت في تصرفات وسلوكيات الشباب الثائر في ميدان التحرير، نرى هؤلاء اليساريين يدعون إلى تأجيل الانتخابات والاستفتاء على الدستور حتى تهدأ الأمور بفعل الإعلام الموجه نحو إثارة الشهوات باستخدام العرى والرقص وإذاعة الأفلام الهابطة خلقيا التي كانت وسيلة النظام السابق في إلهاء الشعب عن حقوقه وأهدافه، والدليل على ذلك ما يتحايلون به على المستمع والمشاهد حين يتعرضون لمنجزات بعض المخرجين: الإماراتي واللبناني والمصري ويعرضون لقطات من أفلامهم الفاضحة، وقد حدث ذلك مؤخرا منذ أيام بعد أن تصورنا أن القنوات المصرية قد تغيرت وأصبحت مهتمة بمستقبل الشعب في حوارات بناءة مع رموز سابقة رفضت الخنوع لبطش الحاشية وإغراءات المال والسلطة.
إن هذه المحاولات اليائسة- في نظرتنا البشرية المستلهمة حقائق التاريخ- لن تنال من النهضة المنشودة إذا تسلحنا بالصمود والصبر، وبذلنا الجهد الأقصى في التوعية بالقيم الحضارية الأصيلة لديننا الحنيف وإذا اعتصمنا بحبل الله واسترشدنا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنا بأن من كان الله معه فلن يغلب (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30).
والإسلام قادم بإذن الله يقود النهضة ويكشف الغمة ويقدم للبشرية حسن الأسوة، (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (الطارق: 13-17).
بقلم: أ.د. محمد المختار محمد المهدي
الرئيس العام للجمعية الشرعية
عضو مجمع البحوث الإسلامية